نقاوة من كل جانب

نقاوة من كل جانب

المقابلات – 17.01.22

أنتيبودز هي المياه المعبأة الأولى في العالم التي لا تسبّب أيّ انبعاثات كربونية على الإطلاق. ننقل إليكم الحوار الذي أجريناه مع مؤسس الشركة الشغوف سايمن وولي الذي أخبرنا عن منتجاته ومعايير الاستدامة التي تعتمدها شركته وعمّا يدفعه إلى إنجاز كلّ شيء بالطريقة الصحيحة

Spinneys
Spinneys
الكاتب

عندما استوطنت قبائل الماوري الأولى أوتياروا (أي نيوزيلندا اليوم)، وجد شعبها منطقة خصبة صالحة للزراعة تمتد داخليًا على طول الساحل الشرقي للجزيرة الشمالية. وعُرفت هذه المنطقة فيما بعد باسم بيه أوف بلنتي (أي خليج الوفرة)، وهي تسمية مناسبة تمامًا نظرًا لوفرة الجبال الساحلية الخلابة والبحيرات الشاسعة والأراضي الزراعية الغنية فيها. نيوزيلندا هي أيضًا موطن العلامة التجارية المحبوبة جدًا "أنتيبودز"، وهي المياه المعبأة الأولى في العالم التي لا تسبّب أية انبعاثات كربونية على الإطلاق.

تُستخرج هذه المياه من أعمق طبقة مياه جوفية ارتوازية عالية الجودة في نيوزيلندا حيث تستغرق رحلتها من سطح الأرض إلى جوفها بين 50 و300 عام مرورًا عبر صخور إجنيمبريت الكثيفة والتي تحتوي على نسبة عالية من السيليكا نظرًا لأنها كانت تتدفق كحمم بركانية. ويوضح مؤسس شركة أنتيبودز سايمن وولي قائلاً إنّ ذلك الأصل البركاني "هو ما يعطينا هذه المياه العذبة إلى حدٍّ مذهل، بمذاقها اللذيذ الذي يكاد أن يكون حلوًا".

أسس سايمن وولي أول شركة في نيوزيلندا لإنتاج المياه المعدنية.
أسس سايمن وولي أول شركة في نيوزيلندا لإنتاج المياه المعدنية.

نشأ سايمن في الأصل في أوكلاند، ولم يسبق له أن زار خليج بيه أوف بلانتي إلى أن قصدها بحثًا عن المياه المثالية لهذه الشركة الجديدة منذ نحو 20 عامًا. وما أن عثر على مبتغاه، حتى انتقل ليستقر في هذا المكان ولم يغادره إطلاقًا. وأثناء حوارنا مع سايمن عبر زوم لإجراء هذه المقابلة، أدار شاشة حاسوبه المحمول ليرينا المناظر الخلابة من حوله، مشيرًا عبر سهول رانجيتايكي والتلال الساحلية نحو موقع طبقات المياه الجوفية التي تُستخرج منها مياه أنتيبودز، والتي ترتفع من عمق 327 مترًا إلى السطح بفعل الضغط الصادر منها بالذات ("كما هو الحال في إطار السيارة نوعًا ما"، على حدّ قوله)، لتتدفّق إلى البحر على بعد 18 كيلومترًا من الشاطئ. فلا تحتاج الشركة إلى ضخها كما لو كانت موجودة في خزان، ولا إلى معالجتها مثل العديد من العلامات التجارية الأخرى.

إنها علامة تجارية صغيرة ومتخصصة، على حدّ قول سايمن، في عالم يكثر فيه المنافسون الرئيسيون من أمثال علامات تجارية أوروبية أكبر منها بكثير تملكها شركات عملاقة مثل كوكا كولا. كان قد تبيّن لسايمن، أثناء عمله في مجال الضيافة، أنّ تلك العلامات قد سيطرت كليًا على السوق. ولدى عودته إلى نيوزيلندا بعد أن عمل لفترات وجيزة في لندن ونيويورك والمكسيك، لم يدرك سبب عدم قيام المطاعم النيوزيلندية بتقديم مياه معبأة محلّية، لا سيما وأنّ تلك المنطقة تروّج لنفسها على أنّها "نقية مئة في المئة".

تشكّل النكهة المعدنية الخفيفة في كل جُرعة من مياه أنتيبودز تعبيرًا عن منبع هذه المياه.
تشكّل النكهة المعدنية الخفيفة في كل جُرعة من مياه أنتيبودز تعبيرًا عن منبع هذه المياه.

يعرف سايمن شركة الإعلانات التي طورت هذا الشعار ويرى أنّها "خدمت مصلحة نيوزيلندا". ولكن عندما بدأ بانتقاء الخيارات المتاحة لعلامة أنتيبودز بمساعدة شركائه، عمدوا إلى إرسال عينات إلى مختبر في فرانكفورت، ويعود ذلك جزئيًا إلى أنّ معايير الاتحاد الأوروبي كانت الأعلى في العالم آنذاك، على حدّ قوله. وتبيّن أنّ الكثير من العينات لم يكن نقيًا بقدر ما بدا عليه، في حين أن البعض الآخر، لا سيما العيّنات المستخرجة من الجزيرة الجنوبية، كانت بالفعل نقية لدرجة أن طعمها كان منعدمًا أو "شبه مقطر"، وفقًا لخبير التذوّق مايكل برايكوفيتش، وهو صديق آخر لسايمن استعان به كمستشار.

ويوضّح سايمن: "قال لي مايكل ’إذا أردت مياهًا تتناسب جيدًا مع الطعام، فأنت بحاجة إلى مياه لها نكهة خاصة ومنبع وحسّ متميّز‘". وهذا ما ساعد سايمن في تأكيد خياره الذي كان ولا يزال أفضل ما تذوقه على الإطلاق. "أخشى أحيانًا أن أجد مياه فضلى، لكن ذلك لم يحصل بعد." وكما كان يأمل، أصبحت أنتيبودز المياه المفضلة لدى أصحاب المطاعم في نيوزيلندا، ويعود ذلك جزئيًا إلى عملية تثقيف حول موضوع تذوّق المياه.

"يُعدّ هؤلاء الأشخاص خبراء في مجال الأطعمة والمشروبات، ولكن عندما أسألهم عن المياه التي يقدّمونها ضمن قائمة الطعام فهم لا يعرفون ما ينبغي عنها، وقد أزعجهم هذا الواقع. فكنت أقصدهم لبيع مياه أنتيبودز وأقترح أن نتذوّق المياه من 12 زجاجة مختلفة لنرى أيًا منها سيفضلون..."

يقع منبع مياه أنتيبودز على هضبة بركان خامد.
يقع منبع مياه أنتيبودز على هضبة بركان خامد.

وما يعزّز قيمة مياه أنتيبودز هو التصميم الشفاف للزجاجة التي تعبّا فيها، وحقيقة أن سايمن رفض التنازل عن مبدأ عدم تسبّب إنتاجها بأيّة انبعاثات كربونية، وذلك حتى قبل أن يصبح هذا المفهوم رائجًا أو حتى ممكنًا. ويقول: "كان الأمر أشبه بكابوس في البداية. فقد ظنّت شركة التعبئة أنني أحمق لاختياري الزجاج الشفاف المعاد تدويره بدلاً من الزجاج الأخضر أو البني، وما إلى ذلك."

ويقول سايمن إنّ الأمور تبدّلت بعد عرض الفيلم الوثائقي البيئي "حقيقة مزعجة" لآل غور في عام 2006. "فجأة، بدأ المورّدون يتصلون بنا ويسألوننا عما ينبغي عليهم فعله لتحسين عملهم." وبحلول عام 2009، مثّلت مياه أنتيبودز موضوع دراسة حالة في مؤتمر كوبنهاغن المعني بتغيّر المناخ، فكانت بمثابة مثال على "كيفية تأسيس شركة بالطريقة السليمة".

تتنوع الممارسات المتّبعة بدءًا باستخدام الطاقة الشمسية والأراضي الرطبة المزروعة التي تأسر المجاري السطحية، وصولاً إلى استنفاد أرصدة الكربون في مشاريع استدامة في بلدان أخرى، أحدثها مزرعة رياح في الهند. وبما أنّ مياه أنتيبودز تُصدّر إلى أسواق مختلفة، يتم أيضًا تتبع بصمة التلوّث الكربونية الناجمة عن كلّ سفينة حاويات ورحلة عمل، وحتى عن كل مكالمة هاتفية وبريد إلكتروني، والتعويض عنها. وفي هذا الإطار، يقول سايمن: "أردت أن أفعل الصواب ليس إلاّ".

ويتابع قائلاً: "كان الهدف دومًا يتمثّل في الحصول على مياه نقية منعشة، هي منتج للمستقبل وانعكاس حقيقي لنيوزيلندا المعاصرة؛ علامة تجارية وطنية فعليًا ستظل موجودة بعد 100 عام".