استهلّت تاله بشمي مغامرتها في عالم الطهي منذ سنٍّ مبكرة إذ كانت تحضّر قدوراً عملاقة من الطعام لأختها وأصدقائها في الجامعة، وتقدّمت في هذا المجال خطوةً تلو الأخرى لتحصل على لقب أفضل طاهية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للعام 2022، فقد تحلّت بعزم شديد وبذلت قصارى جهدها لتشقّ طريقها إلى القمّة.

في أعقاب عودة بشمي إلى البحرين بعد أن أكملت دراساتها الجامعيّة في الولايات المتّحدة الأميركيّة والمملكة المتّحدة، بدأت بتحضير المخبوزات لأصدقائها والذهاب إلى أسواق الطعام. لكن لم يكن ذلك كافياً بالنسبة إليها، إذ قالت: "أسعى دائماً إلى أن أكون الأفضل في العمل الذي أمارسه. وإن لم أتمكّن من تبوّؤ المرتبة الأولى أو أكون من بين الأوائل، فيمكنني ممارسة هذا العمل كهواية." وأدركت حينها أنّها ستغدو طاهية.

عملت تاله في فندق الخليج البحرين كمتدرّبة لمدّة ستة أشهر وبدأت العمل في الملحمة. وقالت ضاحكةً: "كنّا نقطع ما بين 40 و60 كلغ من اللحوم يومياً، وأذكر الألم الشديد الذي عانيته في ساعديّ. ابتدأتُ مسيرتي المهنيّة من الصفر، فلم يُسمح لي بطهي ولو طبقٍ واحد، لا بل اقتصر عملي على تحضير المكوّنات وتقشيرها وتنظيفها."

صمّمت تاله على إثبات جدارتها للفندق ومدى رغبتها في أن تكون طاهية، ما دفعها إلى الالتحاق ببرنامج التدريب الإداري الذي تمّ فيه إرسال البحرينيّين إلى الخارج للحصول على شهادة في الضيافة. عملت في عددٍ من مطاعم الفندق، والتحقت بعدها بأكاديمية فنون الطهي في لوسيرن، سويسرا، لمدّة عامين وحازت درجة الماجستير في إدارة الأعمال الدولية في مجال إدارة الطهي. وعادت إلى فندق الخليج لتعمل طاهيةً مساعدة في مطاعمه، وتولّت بعد عام ونصف الإدارة وغيّرت اسم المطعم إلى "فيوجنز باي تاله" في أوائل العام 2020.

لم تكن إدارة المطعم أمراً سهلاً بالنسبة إلى تاله. فقالت في هذا الإطار: "أبلغتني إدارة الفندق أنّها ستمنحني مهلة عام في المطعم لترى ما أستطيع إنجازه. " لكن لم تمتلك تاله المعدات الكافية للعمل، إذ عانى المطعم من نواقص عدّة بدءاً من وجود خلّاط مكسور وصولاً إلى طاقم العمل الصغير. بعد مرور عام، أعلنت تاله أنّها تمكّنت من "زيادة الأرباح بشكل كبير"، ما أدّى إلى تجديد المطعم ليطلّ بالنسخة التي يشتهر بها اليوم.

تؤدي تجربة الضيف دوراً جوهرياً في هذه العملية. فأضافت تاله:" ذات مرّة، زار المطعم ضيفٌ واحدٌ لا يزال حتّى يومنا هذا واحداً من ضيوفي المفضّلين. لم يعرف حينها من أكون، فأتى إلى المطعم، واطّلع على قائمة الطعام وقال لي: "قدّمي لي ما يحلو لك". وحتى هذا الحين، أعتقد أنه جرّب أكبر عددٍ من الأطباق التي أحضرّها مقارنةً بكلّ من أعرف، لأنّه في كلّ مرة يحصل فيها ضيوفي على قائمة التذوّق، أمنحهم تجربة مختلفة".

Tala Bashmi

تاله بشمي

A dish from her menu titled ‘Corniche’

"طبق من قائمتها بعنوان "الكورنيش"

تقدّم تاله قائمتَي طعام إحداهما انتقائيّة والأخرى قائمة تذوّق، وتشمل الأولى أطباقاً مميّزة مثل التكة البحرينيّة والبامية. في المقابل، تحتضن قائمة التذوّق تشكيلةً من المأكولات البحريّة الشهيّة. في هذا الإطار، قالت تاله: "حينما ينظر الضيوف إلى أطباقي، من البديهي أن يعتقدوا أنّه ما من صلة تجمعها بالمأكولات العربيّة، لكن ما إن يتذوّقوها..." وتسهب بالشرح لتوضيح ما تقصده بهذه العلاقة. فأضافت: "يمكنني استخدام مكوّن محلي لا يستخدمه أيّ شخص آخر، وهذا بالنسبة إليّ هو الجوهر الحقيقي للمطبخ. بمعنى آخر، ألجأ إلى استخدام الكرمة التي تنمو حيث أعيش. فإذا نظرنا إلى المطبخ الفرنسي، نلاحظ أنّه يرتكز على الكرمة. بالتالي، أحاول استخدام المكوّنات غير المعروفة التي تنمو على هذه الأرض لأضيفها إلى أطباقي".

علاوةً على ذلك، أتت تاله إلى ذكر بعض الفواكه العربيّة بما فيها اللوز والبمبر، ثمّ تناولت موضوع المأكولات البحريّة التي تزخر بها هذه الجزيرة. فأخبرت قائلةً: "تُعدّ المهياوة أحد أشهر المكوّنات التي نستخدمها في البحرين وهي عبارة عن معجون السمك. وعلى الرغم من أنّ طعمها لذيذ، إلاّ أننا نعتقد جميعاً أنّها مقزّزة، لكنّها في الواقع تكتنز نكهة ولا أشهى، ونستخدمها لتحضير الفطور مع الخبز والبيض. بالتالي، تُعدّ المهياوة أحد المكوّنات التي أحبّ أن يتذوّقها ضيوفي أوّلاً قبل شرح ماهيته." بالإضافة إلى ذلك، تستخدم تاله الروبيان المجفّف، وأضافت: "يكتنز الروبيان نكهةً ولا أشهى، لكنّني أستخدمه بطريقة فريدة في الطهي إذ أحضّره على غرار البوتارجا تقريباً."

وأضافت تاله قائلةً: "يكمن السرّ في المكوّنات التي أستخدمها. فلا داعي لابتكار قائمة تنضح بالنفحة العربية بوضوح، لذلك أدخل هذه النفحة إلى الأطباق عبر المكوّنات السرية لأضفي عليها لمسة عربيّة فريدة."

في إطار الحديث عن أهمّية استعراض المطبخ البحريني، سألتني تاله: "كم يبلغ عدد المطاعم الفاخرة، أو بالأحرى، المطاعم غير الرسمية الموجودة في الشرق الأوسط؟" فاستشهدت بقائمة أفضل 50 مطعماً في منطقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للعام 2022، وأضافت قائلةً: "اطّلعت على القائمة وفكّرت، صحيحٌ أنّ هذه المطاعم العالميّة المشهورة حطّت رحالها في هذه المنطقة، لكن أين مكانتنا على هذه الخريطة؟ نشكّل نسبة الواحد بالمئة فقط لا غير. إذا كنت من بلد ما، لا شكّ في أنّك تريد أن تأخذ ضيوفك إلى مكان لتتمكّن من استعراض ثقافتك وقول التالي: "هذا هو المكان الذي نستقدم منه المكوّنات لتحضير الطعام، وهذه هي المرحلة التي بلغناها، وهذا هو ما نريد أن نعرضه لك عن ثقافتنا." وهذا هو هدفي: أريد أن أمتلك مطعماً يستعرض إبداع المطبخ البحريني، لذلك يهمّني أن أشارك أشهى نكهاتنا وأكثرها تميّزاً مع ضيوفي الكرام".

The restaurant was rebranded to ‘Fusions by Tala’ in early 2020

2020 تم تغيير اسم المطعم إلى "فيوجونز باي تاله" في أوائل العام

Sea bream carpaccio

كارباتشيو الشبّوط

تؤمن تاله إيماناً كبيراً بضرورة دعم المزارع المحلّية، وتقول إنّها تزور السوق مرّة أسبوعياً، وتربطها بالمزارعين علاقةٌ جيّدة. وفي هذا الصدد، قالت: "إذا احتجت إلى أيّ شيء من المزارعين، يمكنني الاتصال بهم وطلب كميّة معيّنة من القرنبيط الأرجواني، أو البروكولي الروماني مثلاً، ويساعدونني بشكل كبير."

تعرف تاله أنّ المكوّنات المحلية تنمو في مواسم معيّنة، لكن يبقى على الطاهي العمل على إحداث فرق. فيجب أن يتحلّى بحنكة ودهاء لتعديل الأطباق بحسب توافر المكوّنات، لهذا السبب أغيّر قائمة الطعام وفقاً للمواسم."

وقالت: "كثيراً ما أستقي الوحي من المطبخ الاسكندنافي، إذ تتمّ زراعة وحفظ الخضروات والفواكه في فصل الشتاء. وحاولتُ تطبيق هذا المبدأ على مكوّناتنا لفصل الصيف، فمثلما لا تنمو الخضروات والفواكه في الشتاء في اسكندنافيا، لا تنمو في بلدي في فصل الصيف".

وتابعت قائلةً: سألت المزارع "ماذا تفعل بكلّ هذا البروكولي المتبقّي؟" وأخبرته أنّه يجب تخليلها أو سلقها ثم تجميدها والاحتفاظ بها لاستخدامها لاحقاً. فماذا ستفعل، هل سترميها كلّها؟"

تتحلّى تاله بعزم كبير ينير دربها نحو النجاح، وأتساءل عمّا إذا كان العزم أحد الدروس التي تعلّمتها من كرة القدم. لعبت تاله كرة القدم مع المنتخب الوطني لبلدها على مدى سبع سنوات قبل أن تنتقل إلى الولايات المتّحدة لدراسة الإدارة الرياضية.

واضطرّت للتوقف عن اللعب بعد إصابتها، فانتقلت إلى لندن ودرست الفنون الجميلة قبل أن تعود إلى موطنها.

وتقول في هذا السياق: "أشعر وكأنّني كبرت طوال حياتي في معسكر! تعلّمت الانضباط من كرة القدم فمهما كنتَ متعباً أو متألّماً، أو خائر القوى، عليك النهوض والتدرّب. وعليك أن تكون حاضراً على الدوام. ففي نهاية المطاف، يؤدّي الاندفاع دوراً كبيراً، لكنّه لا يمكن أن يبقى ثابتاً، فقد تشعر بالاندفاع اليوم وتفتقر إليه غداً، وما عساك تفعل في هذه الحالة، هل تتغيّب عن التدريب؟ هل تتغيّب عن عملك؟ إذاً، يتطلّب النجاح الانضباط وتحديد هدف سامٍ والتركيز عليه، إذ سيدفعك إلى المثابرة والقيام بما يلزم كل يوم للوصول إلى الهدف المنشود".

عود هذا إلى رغبتها في أن تكون الأفضل في كل ما تخطط للقيام به، وقد تجلّى ذلك عبر تصنيف مطعمها من بين أفضل 50 مطعماً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للعام 2022. مرّت شهور على هذا الإعلان، لكن لم تصدّق تاله بعد أنّ كلّ ذلك حقيقة. وقالت: "لم يتغيّر شيء بالنسبة إلي. لا شكّ في أنّ توقيت الإعلان كان مثالياً، إذ فزنا بالجائزة في فترة بدأت فيها أفكّر ملياً بكلّ الأمور وما إذا كنت أسير على الدرب الصحيح، وما إذا كنت أقوم بالصواب، وما إذا كنت على قدر المسؤولية. وكان هذا الفوز بمثابة النور الذي وجّهني على الدرب الصحيح وجعلني أدرك أنّني أقوم بالصواب.

والآن، آن الأوان لتوسيع نطاق عملنا والانطلاق إلى العالمية. لا بدّ من إلقاء الضوء على المأكولات الشرق أوسطية من منظور جديد وآمل أن أكون من يحقّق هذا الهدف."