ينضم مطعم بوكا إلى عدّة مطاعم عملاقة في مركز دبي المالي العالمي، إلاّ أنّه نجح حقًا في الحفاظ على هويته الخاصة، إذ يقدم أطباقًا إسبانية متوسطية عصرية في أجواء غير رسمية، كما يحتفي بالمكوّنات المحلية ليقدّم تجربة طعام راقية. هل كان هذا دائمًا هدف المطعم؟

عمر: نعم. عندما حصلنا على الموقع، أردنا ابتكار مطعم معاصر يكمّل ما يتم تقديمه في مركز دبي المالي العالمي. لذلك، صمّمنا نموذج بوكا على طراز المطاعم التي تقدّم المقبّلات الاسبانية "تاباس" بأسلوب عصري، كتلك التي كانت موجودة في لندن أو برشلونة آنذاك. والأهم من ذلك هو أنّنا أردنا أن نُظهر مدى تقديرنا للمكوّنات المحلية لأن مطعمنا نشأ كمشروع محلي. ومنذ البداية، كان طهاتنا يقصدون الأسواق المحلية مزودين بالنقود لتكون لهم حرية اختيار كل ما يجدونه طازجًا وجيدًا، أو ليتمكنوا من شراء المنتجات مباشرة من الموردين. وأعتقد أننا نملك حرية أكبر مقارنة بالمطاعم الأخرى، لأنّ مطعمنا صغير ولا يتعين علينا العمل على غرار مجموعات المطاعم الكبيرة، ما منحنا مجالاً للإبداع واستكشاف المنتجات المحلية المتاحة أيضًا.

ألم يكن من الصعب العثور على المكونات محليًا في البداية؟

عمر: بدأنا عملنا على نطاق صغير، لكن سرعان ما أدركنا أن التوجّه الذي اخترناه كان فريدًا، فمضينا في هذا المسار، خطوة تلو الأخرى، منذ ذلك الحين. وترافق تطوّرنا مع تطوّر الكثير من المزارع في دولة الإمارات، ما ينعكس في تطور قائمة الطعام. فعلى سبيل المثال، نحصل على 80 بالمئة من الأسماك وثمار البحر من مصادر محلية. وقد أصبحت قصتنا حتمًا أكثر إثارة عندما بدأنا التعامل مع أمثال محار دبا بي، وطماطم بيور هارفست، والزهور القابلة للأكل من ماري آن، والكثير غيرها من الشركات الرائدة التي يمكننا التحدث عن تعاملنا معها.

هل هناك أية مكونات محلية كان العمل بها مثيرًا للاهتمام أو أقرب إلى التحدي؟

عمر: خلال فصل الصيف، لم يكن هناك دائمًا تنوع من ناحية المكونات "المحلية" ولطالما كانت قائمة الطعام لدينا في هذه الفترة أقل إثارة من أي وقت آخر. فتحدّينا أنفسنا لنرى ما يمكننا تحقيقه بما هو متاح، ونظرنا إلى ما توفّر من ثمار بحر محلية وطهونا المحار الصدفي ومحار الموس والكثير من القواقع البحرية! ولم يظهر إلاّ المكوّن الأخير في قائمة الطعام، وذلك بعد الكثير من المحاولات الفاشلة التي تكلّلت أخيرًا بالنجاح.

كذلك استخدمنا، وما زلنا نستخدم، النباتات المحلية الصالحة للأكل في أطباقنا. فقد دخلنا إلى هذا العالم عن طريق مركز جميل للفنون الذي عرّفنا ​​إلى ياسين الذي يدير مشتلًا للنباتات البرية في وسط الصحراء، وهو واسع المعرفة بمجال النباتات في المنطقة وما يمكن عمله بها. وقد استخدمنا حتى الآن خمسة أصناف في أطباقنا، نزرع ثلاثة منها حاليًا خارج مطعم بوكا.

ومنذ البداية، كان طهاتنا يقصدون الأسواق المحلية مزودين بالنقود لتكون لهم حرية اختيار كل ما يجدونه طازجًا وجيدًا، أو ليتمكنوا من شراء المنتجات مباشرة من الموردين.

إلى جانب الحصول على المكونات محليًا، اشتهر اسم مطعم بوكا لكلّ ما أطلقه مؤخرًا من مبادرات مستدامة. كيف بدأت هذه الرحلة؟

عمر: دقّ ناقوس الخطر عندما أدركنا مقدار النفايات التي ننتجها ومقدار الاستهلاك الذي نشجعه كمطعم. ودفعنا هذا الإدراك إلى التطوّر ومضاعفة جهود الاستدامة.

كيف طبّقتم مبادرات مكافحة الهدر في مختلف نواحي عملكم؟

عمر: فيما يتعلق بالمطبخ، لطالما استفدنا من المكوّنات إلى أقصى حدّ حيثما أمكن ذلك، كما هي الحال في أي مكان احترافي. أمّا ما نركز عليه الآن فهو كيفية تحويل أي نوع من بقايا الطعام إلى مكون رئيسي. ويُعدّ ملح قشرة الطماطم المجفّفة مثالاً جيدًا على ذلك.

ومن جهة أخرى، يتوفر لفريق خبراء خلط المشروبات متسع من الفرص للإبداع، ونحن نتحداهم في القيام بذلك. ولا بدّ أن تروا المشروبات والمصاصات والزينة التي أعدّها هذا الفريق باستخدام العصير واللّب والقشور.

يشارك جميع أفراد الشركة في هذه المبادرات وكثيرة هي القصص في هذا المجال، ومنها مثلاَ أنّ المسؤول عن الصيانة جاء بفكرة استخدام كلّ سدادات الفلين من الزجاجات الفارغة لصنع قطع نضع عليها الأطباق الساخنة عند تقديمها.

وطبعًا، لا ننسى إدارة النفايات. فقد قمنا بتعيين موظف مسؤول عن المخلفات يُعنى بتقييم كل ما يخرج من المطعم، ما يساعدنا على متابعة الأمور التي تحتاج إلى الاهتمام.

هل صحيح أنكم تحوّلون زيت الطبخ المستعمل إلى وقود نظيف رفيق بالبيئة؟ وكيف تقومون بذلك؟

عمر: نعم، نتعامل مع شركة "نيوترل فيولز" التي تجمع زيوت الطبخ المستعملة وتحولها إلى ديزل حيوي. وتتم عملية إعادة التدوير هذه محليًا، ووفقًا لاتفاقية بازل الدولية بشأن إدارة النفايات. وتُعدّ هذه المبادرة إحدى الوسائل التي يمكننا من خلالها لعب دورنا في دعم تحقيق أهداف دولة الإمارات لعام 2030 من ناحية خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. كما أنّنا نتقاضى المال لقاء بيع الزيت المستعمل، وآمل أن يشجع هذا الأمر الآخرين على النظر في هذا الخيار؛ فإن اعتماد نهج مستدام لا يكون دائمًا مكلفًا.

أنتم تعملون مع شركة الاستشارات "إليمينت سيكس" القائمة في دبي على وضع استراتيجية استدامة أوسع نطاقًا. لماذا قرّرتم الاستعانة بمساعدة هذه الشركة؟

عمر: يهمّنا التدقيق في عملياتنا ودورتنا الإنتاجية لتقييم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ويتيح لنا ذلك معرفة مكانتنا وإدراك كيفية تحقيق تعادل الأثر الكربوني. كما أنّنا ننظر في كل العناصر، بدءًا من تقليص استهلاك الطاقة وترشيد المياه، ووصولاً إلى إيجاد بدائل للمكونات التي لها بصمة كربونية عالية جدًا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن "إليمينت سيكس" تمدنا بالمشورة حول أساليب التعويض عن الانبعاثات التي لا يمكن تجنّبها، لنتمكن من تقديم المشورة لضيوفنا بشأن كيفية موازنة بصمة وجباتهم معنا أيضًا.

من أبرز ما نجم عن هذه الشراكة هو قدرة مطعم بوكا على العمل بالطاقة المتجددة بنسبة 100 بالمئة. هل يمكنك إخبارنا عن هذا الانجاز؟

عمر: بمساعدة "إليمينت سيكس"، تمكنّا من احتساب كمية الكهرباء التي نستهلكها وتقييم الأثر البيئي لهذا الاستهلاك. ولتقليص هذا الأثر، وجدنا حلاً وهو الحصول على حاجتنا من الطاقة الشمسية المولدة من مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية الذي يمدّ شبكة دبي الرئيسية بالطاقة الكهربائية. واستحصلنا من المجمّع على شهادات الطاقة المتجددة الدولية لتلبية استهلاكنا من الكهرباء بنسبة 100 بالمئة. ومن خلال عملية الشراء هذه، يمكننا توفير نحو 75 طنًا من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ما يعني أنّنا حقّقنا انخفاضًا بنسبة 20 بالمئة تقريبًا في إجمالي بصمتنا الكربونية.

Mediterranean

30 دقيقة للتحضير | 90 دقيقة للطهي

Seafood

60 دقيقة للتحضير | None دقيقة للطهي

French

30 دقيقة للتحضير | None دقيقة للطهي

Asian

15 دقيقة للتحضير | None دقيقة للطهي

ما الذي يدفعكما، أنت والشيف مات، شخصيًا إلى الاهتمام بالنفايات واتّباع نهج مستدام؟

مات: أنا من هولندا حيث مفهوم إعادة التدوير أو عدم الإسراف في توليد النفايات متأصلٌ فينا منذ الصغر. وقد يعود ذلك على الأرجح إلى كوننا شعب مقتصد أساسًا! فنحن ندّخر كلّ قرش نكسبه، وإذا انكسر غرض ما أو تعطّل، تبذل قصارى جهدنا لإصلاحه! وأذكر أنني كنت أذهب برفقة أمي لشراء البقالة عندما كنت في الرابعة من عمري، وكنا دائمًا نستخدم الأكياس نفسها حتى تتمزق كليًا. وما يدفعني اليوم نحو الاستدامة هو الفرصة التي يتيحها لي هذا التوجّه لأكون مبدعًا.

عمر: تعلّمت خلال نشأتي كيفية الاستفادة من الموارد المحدودة التي كانت متاحة لنا. وهذا هو التحدي الدائم الذي نواجهه في بوكا. وأنا، مثل "مات"، لدي شغف تجاه إيجاد حلول إبداعية في مجالات العمل كلها، مع الحرص على أن تكون النتائج التي نحقّقها دائمًا في انسجامٍ تام مع ما يتوقّعه العملاء من مطعم فاخر.

العمل الذي أنجزه مطعم بوكا، وما زال يحقّقه، من ناحية الاستدامة استرعى انتباه الكثيرين. لقد نال الشيف "مات" والمطعم الكثير من التقدير، وشمل ذلك الحصول على جائزة أفضل نموذج أعمال مستدام لعام 2021 في حفل توزيع جوائز الخليج للاستدامة. هل أنت فخور بهذه الإنجازات؟

عمر: بصراحةٍ، إني مسرور جدًا لأن العالم يلاحظ جهودنا ويعترف بها. والأهم من ذلك، تغمرني السعادة لأن هذا الانجاز هو نتيجة جهد جماعي شارك فيه الفريق بأكمله.

منذ بدء اعتماد إجراءات الإغلاق بسبب جائحة كوفيد-19، كانت كلّ الأطراف العاملة في قطاع المطاعم تسعى جاهدةً للخروج من الأزمة. وقد أجبرنا ذلك في بوكا على تقييم ما لدينا والتخلص من أية زوائد والتركيز على مبادئنا وتحقيقها على أكمل وجه.

بالفعل، بدأنا حديثنا عن الاستدامة، ولكن هذه مجرد البداية. نحن مهووسون بهذا الموضوع بقدر حرصنا على البقاء مخلصين للضيافة وفن الطهو. كما أنّنا لا نتبع البِدَع أو التوجهات السائدة، بل نسعى إلى القيام بكلّ شيء على نحوٍ جميل وصادق. لطالما كان هذا نهجنا، وسنواصل المضي في هذا المسار.