ابتكر ماهر الطبشي علامة طبشيلي لإعداد تشكيلة من المنتجات المُخمّرة والصلصات الحارّة الفاخرة، وتعليم الزوّار كيفية تخمير الأطعمة ضمن سلسلة من ورش عمل، التي تشكّل مساحة جامعة لتبادل المعلومات والمعارف حول التخمير. وفي هذا الصدد صرّح ماهر: "أريد أن يرى للعالم كيف تتمّ عمليّة التخمير بكّل شفافية، لذا أنظّم ورش عمل تثقيفية، حتّى يستطيع الأشخاص مشاركة معلوماتهم مع عائلتهم وأصدقائهم. كذلك، أستضيف صفوفاً مؤقّتة ليطلق الطهاة العنان لخيالهم ولنشر معلومات هامّة عن الأطعمة المخمّرة، وأعتبر هذا المشروع قريباً جداً من قلبي". ويظهر هذا الموضوع جلياً في اسم العلامة طبشيلي أيضاً الذي يعلّق المؤسس عليه قائلاً: "اسم عائلتي هو طبشي، والفلفل الحار يترجم بالإنجليزية إلى "تشيلي"، فجمعت الكلمتين ليولد اسم طبشيلي".

لم يدخل ماهر عالم التخمير عن طريق الصدفة، بل بدأ شغفه بهذه الأساليب ينمو منذ طفولته. ويشرح لنا قائلاً: "استهواني التخمير منذ سنّ صغيرة، إذ كنتٌ أراقب أمّي وجدّتي فيما يدأبنَ على تخمير المخللات للحفاظ عليها من موسمٍ لآخر. كذلك، أذكر أنّ الفلفل الحار كان حاضراً دائماً على المائدة. ولطالما استمتعت بالتخمير، لذا أحببت امتلاك عدد كبير من الأواني في المنزل".

يعتمد ماهر على الخبرة التي اكتسبها على مرّ سنين طويلة من التخمير، فالأكيد أنّه لا يمكن إتقان تلك العملية إلّا بتكرار التجربة إلى حين تحقيق الخلطة المناسبة. ويعقّب: "يمكنكم إجراء عدد لا يُحصى من الأبحاث، وقراءة الكثير من الكتب، وتعلّم كلّ ما أمكن عبر الإنترنت، إنّما لا تستطيعون تحديد المدّة المثالية للتخمير ودرجة حرارته وقوامات المنتج ونكهاته ونسبة الملح الضرورية له، إلّا إذا بدأتهم بتطبيق العمليّة وضبط كلّ الخطوات لتناسب تفضيلاتكم. ففي التخمير، ما من وصفة محددة يمكن اتبعها، بل تعكس كلّ المعايير الذوق الشخصي".

ويضيف ماهر: "في إحدى المرّات، انضمّ إلى ورشة عملي ثنائي حاول إعداد النوع عينه من الكيمشي، إلّا أنّ كلاً منهما ابتكر نكهة مختلفة في نهاية المطاف بسبب اختلاف حرارة البكتيريا. هنا يكمن جمال الموضوع، فمن السهل تبديل هذه العملية وتغييرها بحسب المتطلبات الشخصية".

تكثر الاعتقادات الخاطئة بشأن عملية التخمير، ويحرص ماهر على محو اللغط المقترن بهذا الموضوع. على سبيل المثال، يتحدّث عن كيفية التحقّق من أنّ المنتج المخمّر صالحٌ للأكل. ويعلّق: "إذا فسد أي منتج، سيظهر عليه العفن مثلاً، وهذا الأمر قد يُسبب لك المرض. الخبر الجيد أنّه يمكنك رؤية العفن بوضوح، وبهذا ستمتنع عن تناول الطعام الفاسد. لكن، كيف يمكن تجنّب فساده أساساً"؟ من المهم إضافة الكمية المناسبة من الملح لبدء العملية، ولكن يكمن السر الحقيقي في تفقّد درجة الحموضة خلالها. "عند قياس درجة الحموضة، يجب ألّا تتعدّى 4.6 حتّى يكون من الآمن تناول المنتج".

ويبدو الشغف واضحاً عليه، إذ يبادر إلى شرح الفارق بين التخليل والتخمير. "عند التخليل، تتمّ إضافة الخلّ إلى منتجٍ ما، والخلّ هو سائل مُعقِّم يقتل البكتيريا. لذا ينجز الوظيفة المطلوبة منه بسرعة، ففي غضون يومين من إضافته إلى الخيار في الإناء، سيبدأ الطعم الحامض بالظهور. بينما تقضي عملية تخمير الخضروات بإضافة الملح والمياه وبعض التوابل، وتستغرق النكهة بعض الوقت قبل أن تبدأ بالظهور".

يشهد كلّ مَن يرى ماهر كم يتوق إلى مشاركة خبرته مع الآخرين، إذ يفصّل تقنيات تخمير الخضروات الثلاثة بحماسٍ كبير، بدءاً من التمليح مروراً بالنقع بالمياه المالحة وصولاً إلى التقنية الثالثة التي يسميها "تقنية إعداد الكيمشي التوفيقية" التي تجمع التقنيتَين السابقتَين معاً.

وفي سياق حديثه، يفصح لنا عن معلومات متعلّقة بنوع المياه التي يجب استخدامها للتخليل (مياه خالية من الكلور وغنية بالمعادن)، ونوع الملح الأفضل لتلك العملية (ملح البحر وليس ملح الطعام، إذ يحتوي هذا الأخير على اليود الذي يؤثّر سلباً على العمليّة)، والحرارة المثالية لتحضير الكيمشي (يفضّل المؤسس حرارة 22 درجة مئوية)، وغيرها. ثم يضيف: "تذكّروا أنّكم تهدفون إلى ابتكار بيئة تسمح للبكتيريا بالتكاثر من دون أي عائق".

يؤمن الكثير من الأشخاص بأنّ الأطعمة المخمّرة مفيدة جدّاً لصحة المعدة والأمعاء. وقد أكّد ماهر هذا الموضوع معلناً أنّ الأطعمة المخمّرة مفيدة جداً للنظام الغذائي"، غير أنّه لا يستطيع أن يحدد الكمية المثالية من الأطعمة المخمّرة التي يجب تناولها في اليوم. ويضيف: "يشارك الكثير من الأشخاص في ورش عملنا بهدف دمج الأطباق المخمّرة في نظامهم الغذائي لتحسينه". تستمرّ ورش العمل لمدّة ساعتَين ونصف وتزخر بالمعلومات والتجارب التطبيقية، وفي ختامها يأخذ الطلاب معهم ما حضّروه من أطعمة مخمرة حيث يتطلّعون لمعرفة النتيجة التي سيحصلون عليها بعد أيّام. لا يترك ماهر طلّابه بعد أن تنتهي ورشة العمل، بل يعود ليكلّمهم بعدها بأيام معدودة، للتأكد من حُسن سير عملية التخمير. "أحرص على أن تَلقى التجربة استحسان الطلاب، ويهمّني أن يثقوا تماماً بالمنتج الذي ابتكروه".

يأمل ماهر أن يختبر العالم نقلة نوعية ملحوظة، بحيث يبدؤوا بتقبّل الأطعمة المخمّرة. ويعلّق بالقول: "لطالما حلمتُ بامتلاك وجهة تجمع محبّي التخمير معاً، فليس هدفي افتتاح متجر عادي، بل أسعى إلى تعريف العالم على روعة الأطعمة المخمّرة. فأن أؤمن بضرورة وجودها في مختلف المتاجر، وليس في موقع واحدٍ مخصص لمحبّيها فحسب". لا يكتفي ماهر بطرح طريقة تتيح حفظ الطعام فحسب، بل يحاول أن يرسي فلسفة حياتية مُلهمة تحثّنا على خفض الاستهلاك السريع للأطعمة والعودة إلى اتّباع نظام غذائي أكثر وعياً بما نتناوله. ويقول: "ليس التخمير بالموضة الجديدة، فهو معروفٌ منذ سنوات طويلة ولكنّنا أصبحنا نعيش الآن في عصر السرعة، حيث لم يعد بوسعنا التأنّي أبداً. وبالتالي، فقدنا القدرة على الاستمتاع بالأطباق التي يستغرق إعدادها وقتاً طويلاً... وهنا يأتي دور التخمير الذي يحافظ على التقاليد القديمة".

صفّ لا يُفوّت

تُعتبر ورش العمل التي ينظّمها مشروع طبشيلي على صعيد التخمير والطهي بمثابة تجارب استثنائية.

قوموا بمتابعة @tabchilli للاطلاع على مواعيدها فور صدورها.

استمعوا إلى البودكاست الحواري "تغذية مع سبينس"، حيث يتعمّق ماهر في الحديث عن تاريخ التخمير وتفاصيله الدقيقة.