قرّرت فيكتوريا توما، الممثلة الرسمية لجمعية الشاي اليابانية العالمية في كيوتو باليابان، أن تفتتح متجراً للشاي الياباني والطعام، يحمل اسم إيكيغاي شا في أحد شوارع دبي الهادئة، وتسعى من خلاله إلى تغيير منظور السكّان المحليّين تجاه الشاي الياباني. تجمع توما مختلف أصناف الشاي اليابانية وتقدّمها في أواني فخّار ملائمة قد سجّلت عليها اسمها وتفاصيلها، ليطّلع عليها أي شخص يرغب بمعرفة المزيد عن الموضوع.

اختارت فيكتوريا موقعاً هادئاً في البرشاء جنوب، يضمّ صالة واسعة تتيح للضيوف اكتشاف مختلف أصناف الشاي، وتأمّل الخرائط المفصّلة وأجهزة التخمير. وقد لاحظنا أنّ الضيوف يتوقون إلى معرفة المزيد عن الشاي، لذا ينضمون إلى ورش العمل والصفوف الاحترافية. من جهتها، تعبّر فيكتوريا علناً عن شغفها بمشاركة المعلومات حول الشاي، ولهذا تنشر معارف قيّمة عن أصناف الشاي اليابانية الكثيرة.

بدأنا الحديث عن الشاي الفوّار، وهو مزيج فعّال من السنشا العضوية والماتشا الفاخرة، تتوازن فيه النكهات ويخلو من المواد المضافة أو السكّر الزائد. وبرأيها، من الجميل أن يتعرّف الأطفال على عجائب هذا المشروب الشهي منذ نعومة أظافرهم. "نقدّم عدداً من الصفوف الاحترافية للأطفال لتحضير الشاي الفوار، ويحبّون إضافة الفواكه إليها. وقد شجّعتُ أطفالي على الاستمتاع بهذا المشروب المميز، وهم الآن يختارون الشاي الفوّار بدلاً من المشروبات الغازية".

بعدها، انتقلنا لمناقشة القيمة الثقافية لأصناف الشاي اليابانية ونطاق انتشارها. وفي هذا الصدد، أخبرتنا أنّ "الشاي الياباني يُقسم إلى 130 صنفاً، كلّ منها يُزرع في منطقة محددة". لا تملّ فيكتوريا من شرح الفروقات البسيطة بين أصناف الشاي التي يأتي كلّ منها من منطقة مختلفة، وتلاحظ: "من المؤكد أنّ أصناف الشاي تتشارك مزايا كثيرة ومن بينها البساطة، لكن عندما تتعمقون في طعمها، ستلاحظون توليفة من النكهات الآسرة تُغيّر طعم كلّ صنف". ولتوضيح فكرتها، تُشبّه فيكتوريا التسوّق لشراء الشاي بشراء الجبنة وزيت الزيتون. فتشرح: "ستلاحظون أنّ 95% من أصناف الشاي التي نقدّمها تنبثق من 15 محافظة في اليابان، وستفهمون تأثير المنطقة التي يُزرع فيها الشاي على طعمه". من هذا المنطلق، تسلّط المؤسسة الضوء على أهمية إدراك مصدر الشاي وتتبّعه، وسط الجهود التي تبذلها اليابان للحفاظ على الأصالة في سوق تعجّ بالمنافسين.

Founder of Ikigaicha, Viktoryia Toma, while on a tour of Japan

مؤسسة علامة إيكيغاي شا، فيكتوريا توما، خلال جولة في اليابان

Matcha tea

شاي الماتشا

يعاني قطاع زراعة الشاي في اليابان مصاعب عدّة، شأنه شأن عددٍ كبير من القطاعات التقليدية. وفي هذا الصدد، تعرب فيكتوريا عن قلقها إزاء انخفاض الإنتاج وارتفاع أعمار المزارعين، وصعوبة اجتذاب الجيل الجديد إلى زراعة الشاي. لكن ثمة بصيص أمل، إذ "بدأ جيلٌ جديد من مزارعي الشاي يعود إلى الريف، حتّى أنّ بعض العائلات التي انتقلت إلى هذه المنطقة لم يسبق لها أن عملت في هذا المجال من قبل. وهذا مصدر إلهام لكثيرين، فكلّما زاد الدعم، ارتفعت أعداد المتحمسين للانضمام إلى هذه الموجة".

هذا يعني أنّ الأخبار ليست كلّها سيئة، بل ركّزت فيكتوريا على ارتفاع الإقبال العالمي على أصناف الشاي اليابانية في الآونة الأخيرة، في موجة يقودها الطهاة المشاهير والذواقة الذين يُدخلون تجارب الشاي في أطباقهم المميزة، وأبرزهم الشيف ريف عثمان في مطعم تيرو أو مطعم إيتاداكو في دبي. فالحقيقة كما قالت فيكتوريا أن معظم المطاعم تكتفي بإدخال خلطات قليلة من أصناف الشاي الأخضر أو الأسود إلى قوائم طعامها، غير أنّ الأمور بدأت تتحسّن شيئاً فشيئاً. "يُعتبر الشيف ريف من ألمع الطهاة في المنطقة ويكنّ تقديراً كبيراً للشاي، لذا قرر ألا يقدّم هذا المشروب بأسلوب تقليدي في تيرو، بل اختار أن يقدّم شاياً فواراً، وخلطة باردة، وغيرها من الأصناف. من جهته، يقدّم مطعم إيتاداكو الياباني التقليدي الشاي الفوار ويُعدّ مطعم سوشي سامبا تشكيلة واسعة من أصناف الشاي اليابانية الأصيلة. لذا أنا سعيدة جداً بهذه الصيحة التي يعتمدها مزيد من الطهاةحول العالم، فقد بدأ معها عصر الارتقاء باستخدامات الشاي".

Viktoryia is keen to share the diversity of Japanese teas

تحرص فيكتوريا على تعريف العالم إلى أصناف الشاي اليابانية المتنوّعة

Viktoryia hosts workshops at the Ikigaicha Japanese tea & food boutique in Dubai

فيكتوريا تقدّم ورش عمل في متجر الشاي الياباني والطعام إيكيغاي شا في دبي

يستحيل الحديث عن الشاي الياباني بدون التحدث عن الماتشا. فلا بدّ من اعتماد تقنية دقيقة جداً لإعداد هذا الصنف من الشاي كما هي الحال مع الكثير من أصناف الشاي الأخرى. في التفاصيل، يجب أن تبقى نبتات شاي الماتشا في الظِّل (تحت ألواح خيزران تقليدية أو أغطية اصطناعية)، فهذا ما يساعدها على تحفيز إنتاج الكلوروفيل ويزيد نسب الأحماض الأمينية فيها، لاسيّما حمض ل-ثيانين. من هنا تكتسب الماتشا طعمها الأومامي (الحامض) الشهير ولونها الأخضر الزاهي. يتمّ قُطاف الأوراق ومعالجتها لتصبح أوراق "تينشا"، بعدها يتمّ طحنها في عملية مُجهِدة للحصول على الماتشا.

وتعترف فيكتوريا أنّ كثيرين يملكون اعتقادات خاطئة عن الماتشا ويظنّون أنّها مسحوق لونه أحضر وطعمه مرٌ جداً، إذ تسهم بعض أصناف الماتشا الأقلّ جودة أو تلك التي يتمّ تخزينها بشكل غير مناسب في نشر هذه الاعتقادات على صعيدٍ واسع. "لا بدّ أن تكون الماتشا عالية الجودة ليصلح استخدامها في حفلات الشاي، ويمكن أن تكون سميكة أو رقيقة. لكن الأهمّ أن تكون نكهتها واضحة، بدون أن تبدو مرّة أو لزجة، كما هي الحال مع المنتجات الأقلّ جودة".

تختتم فيكتوريا حديثها بتقديم تشكيلة من الحلويات بنكهة الماتشا (تشيز كيك وتيراميسو)، وتبتسم قائلةً: "يكمن السرّ في كرم الضيافة! فلا بدّ لنا من تقديم تجربة مميزة للضيوف، لم يختبروا لها مثيلاً من قبل".

استمعوا إلى البودكاست الحواري "تغذية مع سبينس" في يناير، وترقبوا مقابلتنا مع فيكتوريا.